سعر الليرة التركية تغييرات مفاجئة أم صعود مدروس

تودّع الليرة التركية عام 2020 بمفاجأة حملتها للأوساط الاقتصادية مع ارتفاع قيمتها بشكل ملحوظ خلال اليومين الماضيين مقارنة بالهبوط الحاد الذي عانت منه الليرة التركية في الأشهر الماضية.

وإن كان هذا الارتفاع مفاجأة في عيون ملايين الناس من المتابعين، إلا أنه ليس وليد الصدفة بل كان الأمر عبارة عن نتيجة لعدة إجراءات وظروف وأسباب حافظت من خلالها الليرة التركية على قوتها، واستطاعت مقاومة الانحدار الشديد في قيمتها السوقية خلال الفترة الماضية، ثم الارتفاع إلى مستويات مرتفعة.

في هذا المقال سنتناول هذا الموضوع بالتفصيل مع إحصائيات وأرقام دقيقة لتكون على إطلاع مع مسيرة التغير التي طرأت على قيمة الليرة التركية خلال عام 2020.

الليرة التركية 2020 أمام العملات الأخرى

طرأ على سعر الليرة التركية عدة تغيرات خلال هذا العام وقد رصدنا لكم في هذه الفقرة أهم الانعطافات المهمة التي واجهت الليرة التركية:

سعر الليرة التركية أمام الدولار

سعر الليرة التركية أمام اليورو

سعر الليرة التركية أمام أهم العملات العربية

سعر الذهب أمام الليرة التركية

حقق سعر الذهب في تركيا تراجعاً ملحوظاً أمام الليرة التركية مع موجة الصعود التي حققتها الليرة خلال هذا الأسبوع، وقد سجل الذهب القيم التالية وفقاً لبيانات تاريخ 30/12/2020:

تأثير سعر الليرة التركية على القطاعات الاقتصادية

لقد أرخت الليرة التركية وتغيراتها على الكثير من القطاعات الاقتصادية سابقاً، وهي كذلك اليوم تحمل في تغيراتها تأثيرات أخرى على مختلف القطاعات، ومن أمثلة ذلك:

استثمارات الحصول على الجنسية التركية

يتيح القانون التركي للمستثمرين الأجانب الحصول على الجنسية التركية في حال شراء عقار بقيمة 250 ألف دولار أمريكي على الأقل، أو الاستثمار أو إيداع مبلغ 500 ألف دولار أمريكي.

إنّ فترة هبوط سعر الليرة التركية سابقاً كانت محفزة على الاستثمار المرشح للجنسية التركية، حيث كانت قيمة العقار المناسب لذلك في بداية هذه السنة تساوي بالليرة التركية 1.495.000 ليرة تركية، بينما كانت قيمته في شهر نوفمبر الماضي حوالي 2.1055.000 ليرة تركية.

الآن ومع نهاية عام 2020 استقر الحد الأدنى لسعر العقار المرشح للجنسية التركية عند 1.830.000 ليرة تركية، وبنفس المقياس نستطيع الحديث عن باقي الاستثمارات التي تخوّل صاحبها الحصول على الجنسية التركية.  

أسعار المواد الاستهلاكية

أدت التغيرات والتقلبات في سعر الليرة التركية أمام العملات الأخرى في زيادة أسعار الكثير من السلع الاستهلاكية وخاصة الغذائية منها، وخاصة في المناطق السياحية، لكن عموماً إنّ صعود الليرة التركية مجدداً يساهم في إعادة ضبط الأسعار من جديد.

ديون الشركات التركية

من العوامل المهمة والقطاعات التي تتأثر مباشرة بأي تغير في سعر صرف العملة المحلية التركية أمام العملات الأخرى وخاصة الدولار، هي الديون والصفقات المؤجلة، والتي غالباً تكون بالعملات الأجنبية "الدولار أو اليورو" لذلك مثلاً لو بلغت الديون الخاصة بشركة مليون دولار أمريكي فنحن نتحدث عن تغير سعر الدين بالليرة التركية من 5.9 مليون ليرة تركية في أول السنة، إلى 8.4 مليون ليرة تركية في نوفمبر 2020 (ذروة هبوط قيمة الليرة التركية)، إلى 7.3 مليون ليرة تركية في نهاية العام.

أسعار الصادرات والواردات التركية

يساهم التغير في سعر صرف العملة التركية على أسعار كل من الصادرات التركية إلى الدول الأجنبية، وكذلك الواردات إليها، وهذا الأمر يؤدي إلى زيادة في أسعار هذه المواد في السوق التركي.

الحد الأدنى للأجور في تركيا

يؤثر سعر صرف الليرة التركية بشكل عام على الحدود الدنيا للأجور والرواتب في تركيا، وقد صدرت القرارات الحكومية الخاصة بتحديد أجور العاملين في تركيا للعام القادم 2021، ويمكن مقارنتها وفق ما يلي:

يلاحظ أنّ الحدود الدنيا للأجور في تركيا في عام 2021 تحسنت عن مثيلتها قبل عامين، ولكنها لا زالت دون الحد الأدنى للأجور في تركيا خلال عام 2020، طبعاً عند الحديث عنها بالدولار الأمريكي.

أسباب ارتفاع قيمة الليرة التركية 

يثير الارتفاع الواضح في قيمة التداول لليرة التركية والصرف أمام العملات الأجنبية الأخرى الكثير من الأسئلة والاستفسارات حول الأسباب التي تقف خلف ارتفاع سعر الليرة التركية أمام العملات الأخرى، وفيما يلي رصد لأهم الأسباب:

الأنباء عن اتفاق تجارة حرة مع بريطانيا

 كان لتوقيع اتفاقية التجارة الحرة بين تركيا وبريطانيا وهي الأولى من نوعها بين البلدين الأثر الواضح والمباشر في ارتفاع قيمة الليرة التركية أمام العملات الأجنبية.

رفع قيمة سعر الفائدة

رفع البنك المركزي التركي مؤخراً قيمة الفائدة إلى 15% ثم إلى 17% قبل يومين من انتعاش الليرة ما يعني أن الخطوة التي اتخذها البنك أثرت بشكل واضح في سعر الصرف.

تراجع أعداد الإصابات بفيروس كورونا

شهدت تركيا انخفاضاً في تسجيل أعداد الإصابات بفيروس كورونا المستجد "كوفيد 19" خلال الأيام القليلة الماضية، ما زاد من طمأنينة المستثمرين الأجانب، كما أنّ احتمالات الإغلاق التام للأسواق في تركيا أو الحظر الكلي باتت ضعيفة جداً.

وفي ذات السياق تأثرت الليرة إيجابياً بالأنباء التي تحدثت عن أن وصول الدفعة الأولى من لقاح كورونا إلى تركيا سيكون قبل نهاية 2020

التغييرات التي طالت مسؤولين اقتصاديين أتراك

ساهمت كذلك التغييرات التي طرأت على المؤسسات المعنية بالاقتصاد في تركيا خلال الأسابيع الماضية على سير انتعاش الليرة، حيث تم تغيير كل من وزير الاقتصاد وحاكم المصرف المركزي التركي.

زيادة حصة قطر في بورصة إسطنبول

بعد زيارة الأمير القطري تميم بن حمد وزيارته لإسطنبول، قامت قطر بشراء حصة إضافية من بورصة إسطنبول واستحوذ بذلك جهاز قطر الاستثماري على حوالي 10% حصة إضافية من البورصة بمبلغ 200 مليون دولار أمريكي، وهذا كذلك ساهم في زيادة انتعاش الليرة.

قمة مجموعة العشرين في الرياض

مشاركة أنقرة في القمة الاعتيادية للدول الأعضاء في مجموعة العشرين والتي انعقدت بشكل افتراضي بإدارة المملكة العربية السعودية، ساهم في إرسال تطمينات استثمارية عديدة أثرت بشكل جيد على وضع العملة التركية.

توقعات الليرة التركية 2021

ترتبط الليرة وانتعاشها أو هبوط قيمتها بعدة متغيرات داخلية وخارجية ولذلك من الصعب التنبؤ بالحالات الطارئة سلباً وإيجاباً على واقع الليرة التركية في العام القادم

ولكن بشكل عام، قد أثبتت الليرة صموداً واضحاً تجاه الكثير من المتغيرات ومرونة مع العديد من الأزمات وخاصة التعثرات الاقتصادية في قطاعي الطيران والسياحة أكبر موردين ماليين لتركيا بسبب انتشار فيروس كورونا في تركيا.

قد تحمل الأنباء السياسية من الخليج العربي حول إنهاء الأزمة القطرية مع دول الجوار لها، والتي شكلت إحدى أهم العوائق بين تركيا والدول المقاطعة لقطر، الأمر الذي أرخى بحباله على الواقع الاقتصادي وخفّض من نسبة الإقبال الاستثماري إلى تركيا من قبل رجال أعمال دول السعودية والإمارات والبحرين.

كذلك إنّ السيطرة على وباء كورونا خلال الأشهر القادمة مع وصول اللقاح إلى تركيا سيكون له وقعه الخاص على تحسن الوضع الاقتصادي عموماً وسعر الصرف بكل تأكيد.

وختاماً نأمل أن تكون إجابة السؤال المثار في عنوان المقال قد وصلكم، حيث أنّ ما تمرّ به تركيا من صعود لقيمة الليرة التركية ليس أمراً عابراً أو مفاجئاً إنما هو نتاج جهود اقتصادية صبّت كلها في مصلحة واحدة، وضمن خطة واحدة، لاستقرار الليرة أولاً وانتعاشها ثانياً.